فصل: 3- هل تدل هذه الآية على التناسخ؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.3- هل تدل هذه الآية على التناسخ؟

من العجيب أن بعض مؤيدي فكرة التناسخ الخرافية يتخذون من هذه الآية دليلا على صحة فكرتهم، ويقولون: يفهم من الآية أنّ الحيوانات أُمم مثلكم، مع أنّنا نعلم أنّها ذاتيًا ليست مثلنا، فيمكن إذن القول بأن أرواح البشر التي تفارق أبدانها تحل في أبدان الحيوانات، وبهذا الشكل تنال الأرواح المذنبة العقاب.
ولكن على الرغم من أنّ فكرة التناسخ تناقض قانون التكامل ولا تتفق مع منطق العقل، وتستوجب إِنكار المعاد (كما سبق شرحه في موضعه)، فانّ هذه الآية لا تدل على التناسخ مطلقًا، إِذ إِنّ المجتمعات الحيوانية- كما قلنا- تشبه المجتمعات البشرية، وهو شبه بالفعل لا بالقوّة، لأن للحيوانات نصيبها من الفهم والإِدراك، ونصيبها من المسؤولية أيضًا، ومن ثمّ نصيبها من البعث والحساب، أنّها تشبه الإِنسان في هذه الحالات.
ينبغي أن نعرف أنّ التكاليف والمسؤوليات الملقاة على الحيوانات في مرحلة خاصّة لا تعني أنّ لها إمامًا وقائدًا وشريعة ودينًا كما ذهب اليه بعض أصحاب التصوف، فهي لا يقودها سوى إدراكها الباطني، أي أنّها تدرك بعض الأُمور، فتكون مسؤولة عنها بقدر إدراكها لها. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)} يعني تساوت المخلوقات، وتماثلت المصنوعات في الحاجة إلى المُنْشِئ: في حال الإبداع ثم في حال البقاء، وكذلك جميع الصفات النفسية والنعوت الذاتية توقفت عن الإيجاد والاختيار، فما من شيء من عينٍ وأثر، ورسم وطلل.. إلا وهو على وحدانيته شاهِدٌ، وعلى كون أنه مخلوق.. دليلٌ ظاهرٌ. اهـ.

.من فوائد السمرقندي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وَمَا مِن دَابَّةٍ في الأرض وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} فذكر الجناحين للتأكيد لأنه يقال: طار في الأمر إذا أسرع فيه، فإذا ذكر الجناحين صار تأكيدًا له.
وقرأ بعضهم {وَلاَ طَائِرٍ} بالضم لأن معناه: وما دابةٌ في الأرض ولا طائرٌ لأن {مِنْ} زيادة، فيكون الطائر عطفًا ورفعًا وهي قراءة شاذة.
ثم قال: {إِلاَّ أُمَمٌ أمثالكم} في الخلق، والموت، والبعث، تعرف بأسمائهم {مَّا فَرَّطْنَا} يقول: ما تركنا {فِى الكتاب مِن شيء} يعني: في اللوح المحفوظ مما يحتاج إليه الخلق إلا قد بيّناه.
ويقال: في القرآن قد بيّن كل شيء يحتاج إليه {ثُمَّ إلى رَبّهِمْ يُحْشَرُونَ} يعني: الدواب والطير {يُحْشَرُونَ} ثم يصيرون ترابًا.
وروى جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال: يَحْشُرُ الله تعالى الخلق كلهم يوم القيامة والبهائم والدواب والطيور وكل شيء، فيبلغ من عدله أن يأخذ للجمَّاء من القرناء، ثم يقول: كوني ترابًا.
وعن أبي ذر قال: انتطحت شاتان عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أبَا ذَرَ هَلْ تَدْرِي فِيمَا انْتَطَحَتَا»؟ قلت: لا قال: «لكن الله تَعَالَى يَدْرِي فَسَيَقْضِي بَيْنَهُمَا» وقال بعضهم: هذا على وجه المثل لأنه لا يجري عليهم القلم فلا يجوز أن يؤاخذوا به. اهـ.

.من فوائد الماوردي في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله عز وجل: {وَمَا من دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ} دابة بمعنى ما يدب على الأرض من حيوان كله.
{وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} يعني في الهواء، جميع بين ما هو على الأرض وفيها وما ارتفع عنها.
{إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم} في الأمم تأويلان:
أحدهما: أنها الجماعات.
والثاني: أنها الأجناس، قاله الفراء.
وليس يريد بقوله: {أَمْثَالُكُم} في التكليف كما جعل قوم اشتبه الظاهر عليهم وتعلقوا مع اشتباه الظاهر برواية أبي ذر، قال: انتطحت شاتان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا ذر أتدري فيم انتطحتا؟ قلت: لا، قال: «لَكِنَّ اللَّهَ يَدْرِي وَسَيَقْضِي بَيْنَهُمَا» قال أبو ذر: لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقلب طائر بجناحيه في السماء إلا ذكّرنا منه علمًا، لأنه إذا كان العقل سببًا للتكليف كان عدمه لارتفاع التكليف.
والمراد بقوله: {أَمْثَالُكُم} وجهان:
أحدهما: أنها أجناس وتتميز في الصور والأسماء.
والثاني: أنها مخلوقة لا تُظْلَم، ومرزوقة لا تُحْرَم.
ثم قال تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ} فيه تأويلان:
أحدهما: ما تركنا خلقًا إلا أوجبنا له أجلًا، والكتاب هنا هو إيجاب الأجل كما قال تعالى: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ} [الرعد: 38] قاله ابن بحر وأنشد لنابغة بني جعدة:
بلغو الملوك وأدركوا ال ** كتاب وانتهى الأجل

والتأويل الثاني: وهو قول الجمهور: أن الكتاب هو القرآن الكريم الذي أنزله، ما أخل فيه بشيء من أمور الدين، إما مُفَصَّلًا يَسْتَغْنِي عن التفسير، أو مجْمَلًا جعل إلى تفسيره سبيلًا.
يحتمل تأويلًا ثالثًا: ما فرطنا فيه بدخول خلل عليه، أو وجود نقص فيه، فكتاب الله سليم من النقص والخلل.
{ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرْونَ} فيه تأويلان:
أحدهما: أن المراد بالحشر الموت، قاله ابن عباس.
والثاني: أن الحشر الجمع لبعث الساعة.
فإن قيل: فإذا كانت غير مُكَلَّفَةٍ فلماذا تبعث يوم القيامة؟ قيل: ليس التكليف علة البعث، لأن الأطفال والمجانين يبعثون وإن كانوا في الدنيا غير مكلفين، وإنما يبعثها ليعوض ما استحق العوض منها بإيلام أو ظلم، ثم يجعل ما يشاء منها ترابًا، وما شاء من دواب الجنة يتمتع المؤمنون بركوبه ورؤيته. اهـ.

.من فوائد الثعلبي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأرض وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} على التأكيد، كما يقال: أخذت بيدي، مشيت برجلي ونظرت بعيني.
{إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} يعني بعضهم من بعض والناس أمة والطير أمة والسباع أمة والدواب أمة، وقيل: إلاّ أمم أمثالكم جماعات أمثالكم.
وقال عطاء: أمثالكم في التوحيد ومعرفة اللّه وقيل: إلاّ أمم أمثالكم في التصور والتشخيص {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب مِن شَيْءٍ} يعني في اللوح المحفوظ {ثُمَّ إلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}.
قال ابن عباس، والضحّاك: حشرها: موتها.
وقال أبو هريرة: في هذه الآية يحشر اللّه الخلق كلهم يوم القيامة البهائم والدواب والطيور وكل شيء فيبلغ من عذاب اللّه يومئذ أن يأخذ الجماء من القرناء ثم يقول: كوني ترابًا فعند ذلك {وَيَقُولُ الكافر يا ليتني كُنتُ تُرَابًا} [النبأ: 40].
وقال عطاء: فإذا رأوا بني آدم وما فيه من الجزية، قلت الحمد للّه الذي لم يجعلنا مثلكم فلا جنة نرجو ولا نارًا نخاف، فيقول اللّه عز وجل لهم كونوا ترابًا فحينئذ يتمنى الكافر أن يكون ترابًا.
وعن أبي ذر قال: بينا أنا عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذ انتطحت عنزان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتدرون فيما إنتطحا» قالوا: لا ندري، قال: «لكن اللّه يدري ويقضي بينهما». اهـ.

.من فوائد ابن الجوزي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وما من دابَّة في الأرض} قال ابن عباس: يريد كل ما دبَّ على الأرض.
قال الزجاج: وذكر الجناحين توكيد، وجميع ما خُلق لا يخلو إما أن يدبَّ وإما أن يطير.
قوله تعالى: {إلا أُمم أمثالكم} قال مجاهد: أصناف مصنفة.
وقال أبو عبيدة: أجناس يعرفون الله ويعبدونه.
وفي معنى {أمثالكم} أربعة أقوال:
أحدها: أمثالكم في كون بعضها يفقه عن بعض، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: في معرفة الله، قاله عطاء.
والثالث: أمثالكم في الخلق والموت والبعث، قاله الزجاج.
والرابع: أمثالكم في كونها تطلب الغذاء، وتبتغي الرزق، وتتوقَّى المهالك، قاله ابن قتيبة.
قال ابن الانباري: وموضع الاحتجاج من هذه الآية أن الله تعالى ركَّب في المشركين عقولًا، وجعل لهم أفهاما ألزمهم بها أن يتدبَّروا أمر النبي صلى الله عليه وسلم ويتمسكوا بطاعته، كما جعل للطير أفهاما يعرف بها بعضها إشارة بعض، وهدى الذَّكَرَ منها لإتيان الأنثى، وفي كل ذلك دليل على نفاذ قدرة المركب ذلك فيها.
قوله تعالى: {ما فرَّطنا في الكتاب من شيء} في الكتاب قولان:
أحدهما: أنه اللوح المحفوظ.
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس: ما تركنا شيئا إلا وقد كتبناه في أم الكتاب، وإلى هذا المعنى ذهب قتادة، وابن زيد.
والثاني: أنه القرآن، روى عطاء عن ابن عباس: ما تركنا من شيء إلا وقد بيناه لكم.
فعلى هذا يكون من العام الذي أريد به الخاص، فيكون المعنى: ما فرطنا في شيء بكم إليه حاجة إلا وبيناه في الكتاب، إما نصًا، وإما مجملًا، وإما دلالة، كقوله تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تِبيانًا لكل شيء} [النحل: 89] أي: لكل شيء يحتاج إليه في أمر الدين. اهـ.

.من فوائد البيضاوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَمَا مِن دَابَّةٍ في الأرض} تدب على وجهها. {وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} في الهواء، وصفه به قطعًا لمجاز السرعة ونحوها. وقرئ {ولا طائر} بالرفع على المحل. {إِلاَّ أُمَمٌ أمثالكم} محفوظة أحوالها مقدرة أرزاقها وآجالها، والمقصود من ذلك الدلالة على كمال قدرته وشمول علمه وسعة تدبيره، ليكون كالدليل على أنه قادر على أن ينزل آية. وجمع الأمم للحمل على المعنى. {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب مِن شَيْء} يعني اللوح المحفوظ، فإنه مشتمل على ما يجري في العالم من الجليل والدقيق لم يهمل فيه أمر، حيوان ولا جماد. أو القرآن فإنه قد دون فيه ما يحتاج إليه من أمر الدين مفصلًا أو مجملًا، ومن مزيدة وشيء في موضع المصدر لا بالمفعول به، فإن فرط لا يتعدى بنفسه وقد عدي بفي إلى الكتاب. وقرئ {مَّا فَرَّطْنَا} بالتخفيف. {ثُمَّ إلى رَبّهِمْ يُحْشَرُونَ} يعني الأمم كلها فينصف بعضها من بعض كما روي: أنه يأخذ للجماء من القرناء. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: حشرها موتها. اهـ.

.من فوائد النسفي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَمَا مِن دَابَّةٍ} هي اسم لما يدب وتقع على المذكر والمؤنث {فِي الأرض} في موضع جر صفة ل {دَابَّةٍ} {وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} قيد الطيران بالجناحين لنفي المجاز لأن غير الطائر قد يقال فيه طار إذا أسرع {إِلاَّ أُمَمٌ أمثالكم} في الخلق والموت والبعث والاحتياج إلى مدبر يدبر أمرها {مَّا فَرَّطْنَا} ما تركنا {فِي الكتاب} في اللوح المحفوظ {مِن شَيْءٍ} من ذلك لم نكتبه ولم نثبت ما وجب أن يثبت، أو الكتاب القرآن.
وقوله: {مِن شَيْءٍ} أي من شيء يحتاجون إليه فهو مشتمل على ما تعبدنا به عبارة وإشارة ودلالة واقتضاء {ثُمَّ إلى رَبّهِمْ يُحْشَرُونَ} يعني الأمم كلها من الدواب والطيور فينصف بعضها من بعض كما رُوي أنه يأخذ للجماء من القرناء ثم يقول: كوني ترابًا.
وإنما قال: {إِلاَّ أُمَمٌ} مع إفراد الدابة والطائر لمعنى الاستغراق فيهما. اهـ.

.من فوائد ابن جزي في الآية:

قال رحمه الله:
{بِجَنَاحَيْهِ} تأكيد وبيان وإزالة للاستعارة المتعاهدة في هذه اللفظة، فقد يقال: طائر للسعد والنحس {أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} أي في الخلق والرزق، والحياة والموت، وغير ذلك، ومناسبة ذكر هذا لما قبله من وجهين: أحدهما أنه تنبيه على مخلوقات الله تعالى، فكأنه يقول: تفكروا في مخلوقاته، ولا تطلبوا غير ذلك من الآيات، والآخر: تنبيه على البعث، كأنه يقول: جميع الدواب والطير يحشر يوم القيامة كما تحشرون أنتم، وهو أظهر لقوله بعده: ثم إلى ربهم يحشرون {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب} أي ما غفلنا، والكتاب هنا هو اللوح المحفوظ، والكلام على هذا عام، وقيل: هو القرآن والكلام على هذا خاص: أي ما فرطنا فيه من شيء فيه هدايتكم، والبيان لكم {ثُمَّ إلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} أي تبعث الدواب والطيور يوم القيامة للجزاء والفصل بينها. اهـ.

.من فوائد الشوكاني في الآية:

قال رحمه الله:
قوله: {وَمَا مِن دَابَّةٍ في الأرض وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أمثالكم} الدابة من دبّ يدبّ فهو داب: إذا مشى مشيًا فيه تقارب خطو.
وقد تقدّم بيان ذلك في البقرة {وَلاَ طَائِرٍ} معطوف على {دَابَّةٍ} مجرور في قراءة الجمهور.